الدعاء

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا محمَّد خاتم الأنبياء والمرسلين.

الدُّعاء هو سلاح الأنبياء، به اهتدوا وبه عبدوا الله وبه أكلوا وشربوا وبه اتَّقوا شرَّ أعدائهم وبه انتصروا عليهم، ذلك بأنَّهم أيقنوا بصدق وعد ربِّهم لهم واعترفوا من خلال ممارستهم للدُّعاء بقدرة الله تعالى على كلِّ شيء، وهذا ما يجب أن نتعلَّمه منهم من خلال ما أخبرنا به الله تعالى من السُّنن الَّتي هداهم إليها، يقول الله تعالى عن سيِّدنا إبراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام:
أعوذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{126} وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{127} رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{128} رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ{129} وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ{130} إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ{131} وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{132}البقرة

لاحظ كم هو واسع دعاء سيِّدنا ابراهيم عليه السَّلام ولاحظ اشتماله على طلب الرِّزق والهداية والعلم والدُّعاء لقومه ثم لاحظ البلاغ الإلهيَّ بالتَّشديد على اتِّباع ملَّة ابراهيم عليه السَّلام ومنها طبعا التزام سيِّدنا إبراهيم عليه السَّلام بالدُّعاء.

إذاً الدُّعاء هو أن نسأل الله تعالى أن يعطينا ما نحن بحاجةٍ إليه، من مالٍ وصحةٍ وبنين وأمنٍ وعلمٍ وإيمانٍ وتقوى وهداية وكل ما يحتاجه الإنسان لدنياه ولآخرته سواء كَبُرَ حجم الطَّلب أو صغُر. ومن جهة أخرى فإنَّ الدُّعاء هو عبودية لله واعتراف مستمرٌّ بالحاجة إليه والضَّعف والعجز أمامه والخضوع لقدرته. فهل الدُّعاء عبادة اختيارية أم هو فريضة على المؤمن؟، لننظر بماذا يجيبنا القرآن الكريم، يقول الله تعالى في كتابه المفصل:
أعوذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ{60}غافر

واضح جداً معنى الآية السَّابقة وبشكل مباشر، إنَّها قانون إلهيٌّ لا يخطئ ولا يتبدَّل، إنَّها بابٌ واسعٌ من أبواب الرَّحمة الإلهيَّة، تُخبرنا بقاعدةٍ بسيطةٍ بيِّنةٍ تقول: إنَّ الله تعالى أمرنا أن ندعوه وأخبرنا أنَّنا إذا دعوناه فإنَّه سيستجيب لنا، فماذا يحتاج الإنسان أكثر من ذلك؟. ولكننا في نفس الآية نقرأ أنَّ المقابل لعدم الدُّعاء هو الإستكبار وهو عدم العبودية لله تعالى، هنا يقترن معنى الدعاء بالعبوديَّة بشكل كبير ليبدو أن رفض الدعاء وعدم ممارسته هو استكبار عن عبوديَّة الله تعالى.
وممَّا يؤكِّد فرض الدُّعاء هو قول الله تعالى في تفصيل كيفيَّته ومضمونه:
أعوذُ بالله من الشَّيطان الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ{55} وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ{56}الأعراف

وهذا عدا عن احتواء الآيات السابقة لكلمة (ادعوا) بصيغة الأمر فإنَّه يؤكد أن الدُّعاء من صفات المؤمن السلوكيَّة ما يجعلنا نؤكد أنَّه فريضة تتلازم مع العبوديَّة لله. ويؤكد تدبُّر القرآن الكريم ذلك التلازم بين الدُّعاء والعبوديَّة لله تعالى.

وكما نكرِّر دائما فإنَّ في القرآن الكريم المزيد من التأكيدات على أهمية الدُّعاء ووجوبه وملازمته لسلوك المؤمن الحقِّ ولسنا هنا بصدد عرضها كلِّها بل نحن بصدد عرض ما يكفي لإثبات ما نتكلَّم عنه وما يكفي لإرشاد القارئ إلى العودة إلى كتاب الله تعالى وتدبُّر آياته، والحمد لله ربِّ العالمين.