الفصل السادس : الشيطان وجنوده
وإذا أردنا أن نكمل الصورة.. فإننا نقول: إن هناك جنودا لشيطان.. جنودا مادية من الانس والجن.. وجنودا معنوية يستخدمها في إضلاله للناس.
ولكن قبل أن نبدأ الحديث، وحتى تكون الصورة واضحة فإنه لا الشيطان ولا جنوده يخرجون عن أمر الله الفعلي في كونه.. والله سبحانه وتعالى أعطانا تجربة عملية.. باني أخضع الشياطين الذي هم أعلى عنصرا في الخلق.. لبشر نبي هو سليمان عليه السلام.. وجعلهم يأتمرون بأمره ولا يستطيعون مخالفته.. واقرأ قول الحق تبارك وتعالى:
{ ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه، ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير} سبأ 12.
وهكذا أخضع الله سبحانه وتعالى الجن ـ شياطينهم وصالحهم ـ كما قلنا ـ لبشر مخلوق من طين.. هو سليمان عليه السلام.. ولو أراد الحق سبحانه وتعالى.. ان يخضع لنا شياطين لأخضعهم لنا.. لأن الله جل جلاله.... استجاب لدعوة سليمان حين دعاه يطلب منه ملكا لا يعطيه الله لأحد من بعده.. واقرأ في القرآن الكريم:
{ قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي، إنك أنت الوهاب فسخّرنا له الرياح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كلّ بنّاء وغوّاص وآخرين مقرّنين في الأصفاد} ص 35ـ38.
إذن فالحق سبحانه وتعالى.. حين أراد أن يخضع الشياطين للإنسان أخضعهم رغم رادتهم قهرا.. فلا يعتقد أحد أن الشياطين في الأرض تقوم بما تقوم به.. رغما عن إرادة الله في كونه.. بل كما قلنا هي من تمام مهمة الدنيا أن يكون فيها إغواء.. وفيها جهاد وإيمان.. وأن ينتصر المؤمنون بجهادهم وإيمانهم.. على إغواء الشيطان فيستحقوا الجنة.
إن الشيطان كما قلنا له جنود مادية وجنود معنوية.. ومن أكبر جنود الشيطان المعنوية الغرور.. فهو يظل يحوم حول الانسان حتى يدخل الى قلبه الغرور المعنوي المعنوي والمادي ويحاول أن يجعله يغتر بماله.. أو بعلمه أو بقوته.. أو بأي شبء آخر.. المهم أن يغتر الانسان.. ويحسب أنه استغنى عن الله تبارك وتعالى.. وينسب الفضل الى نفسه.. فيقع في المعصية والكفر.
الشيطان في غزوة بدر
ولننظر ماذا فعل الشيطان في غزوة بدر مع الكفار ليحرّضهم على قتال المؤمنين.. إن القرآن الكريم يروي لنا هذه القصة فيقول:
{ وإذ زيّن لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم، فلما ترآءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني اخاف الله، والله شديد العقاب} الأنفال 48.
هكذا كان دور الشيطان في غزوة بدر.. بدأ بزرع الكبر في قلوب الكفار. وقال لهم ستغلبون وتنتصرون على المسلمين.. إنكم الأقوياء في العتاد والعدة.. وإنهم قلة بالنسبة لإعدادكم.. إنكم ستغلبونهم كتما.. وأنا معكم سأنصركم.
وظل يدخل الكبر في نفوس الكفار.. ويزين لهم أنهم أقوياء.. وأنهم منتصرون لا محالة.. حتى صدقوه وذهبوا ليحاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين.
وعندما وصل الكفار الى موقع المعرك وأصبح القتال حتميا، نظر الشيطان ورأى قوة الايمان.. وبأس المؤمنين وتأييد الله لهم.. فأسرع هاربا تاركا أولياءه الذين وعدهم بأنه لا غالب لهم .. أسرع يهرب بعيدا.. وقال كما يروي لنا القرآن الكريم:
{ إني أرى ما لا ترون إني اخاف الله، والله شديد العقاب}.
هنا يتوقف بعض الناس.. ليقولوا كيف يقول الشيطان إني اخاف الله؟! وإذا كان يخاف الله تبارك وتعالى.. فلماذا المعصية والاصرار على المعصية؟.. وماذا يخيف الشيطان.. وهو مطرود من رحمة الله.. ملعون رجيم خالد في النار هو وكل من تبعه؟!.
نقول: إن الشيطان يخاف العذاب الذي ينتظره في الآخرة.. وهذا الخوف يملأه رغم كل ما يفعله في الدنيا.. إنه يتبرأ من كل معصية تمت على يديه.. ويحاول أن يتنصل منها ويهرب من مسؤوليتها امام الله.. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى:
{ كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني اخاف الله رب العالمين} الحشر16.
وهكذا يحاول الشيطان أن يتنصل من مسؤولية إغواء الانسان بالكفر والمعصية. حتى يوم القيامة، عندما يقف أمام الله، يلقي اللوم كله على الانسان.. ويحاول أن يهرب من المسؤولية.
ويعطينا الحق سبحانه وتعالى صورة لهذا المشهد.. في قوله تعالى:
{ وقال الشيطان لما قضي الأمر إنّ الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم، ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي، إني كفرت بما أشركتمون من قبل، إن الظالمين لهم عذاب أليم} إبراهيم22.
إن الشيطان الذي زين للناس كل المعاصي والكفر، يأتي يوم القيامة ويتبرأ مما فعل، ويحاول أن يلقي اللوم كله على الانسان.. ويقول إنني لم أفعل شيئا.. إلا أنني دعوتكم فاستجبتم لي.. ولولا أنكم في أنفسكم تريدون الكفر والمعصية وتميلون اليهما، ما كنت قادرا على أن آخذكم الى معصية الله.. فلا تلقوا اللوم عليّ.. ولكن ألقوه على أنفسكم، لأنكم استمعتم الى إغوائي.. ولم يكن لي سلطان أن أقهركم على المعصية وهذه حقيقة، لأن الشيطان لا يملك أن يقهر إنسانا على معصية الله جل جلاله.
لا عقاب على القهر
إن من دلائل رحمة الله بعباده أنه يسقط عنهم كل عمل يتم قهرا حتى يكون الحساب عدلا.. فكل ما يقهر الانسان عليه ويفعله رغم إرادته لا يحاسب عليه يوم القيامة.. مصداقا لقول الحق سبحانه وتعالى:
{من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان} النحل 106.
وهكذا فإن الذي يكره على إعلان الكفر ـوقلبه مؤمن ـ لا يحاسب على ذلك.. ولقد جعل الله تبارك وتعالى.. منطقة الحساب ـوهي ما يعتقده القلب ـ لا يمكن ان تخضع لأي إكراه.. فأنت تستطيع أن تخضع الانسان.. ليفعل ما تريد رغما عنه.. ولكنك لا تستيطع أنتكره قلبه أبدا على أن يحبك وهو يكرهك، ولا أن تخضع القلب قهرا ليؤمن بما لا يريد أن يؤمن به.
الله سبحانه وتعالى يخبرنا أن الشيطان ليس له سلطان على الانسان.. والسلطان إما أن يكون سلطان القهر.. بحيث يجعل الانسان يعمل شيئا رغما عنه بالقوة، وإما سلطان الحجة بحيث يقنع الانسان بأن يفعل شيئا بإرادته.. والشيطان في كلتا الحالتين لا يملك سلطان القهر ولا سلطان الحجة.. ولكنه ـ كما قلنا ـ ينفذ من جوانب الضعف في الانسان.. فيزين له ما تهواه نفسه حتى يقع في المعصية. والآية الكريمة تقول:
{ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ}.
مصرخكم.. أي أسرع لنجدته ليزيل أسباب صراخه.. وفي هذه الحالة لا بدّ أن يكون من القوة بحيث يستطيع أن يزيل أسباب الصراخ.. فإذا هاجم لص شخصا وصرخ طالبا النجدة، فإنه لا يهب لنجدته إلا إنسان قوي يستطيع أن يتغلب على المهاجم، ولكن إذا كان الذي سمع الصراخ شيخ ضعيف فإنه لا يستطيع إن يصرخه، او يزيل سبب صراخه..
إن الشيطان يقول.. أنا لا أملك القوة لأزيل سبب صراخكم من العذاب الذي أنا ذاهب اليه معكم، ثم يتبرأ من الذين كفروا بسبب إغوائه.. ويحاول أن يتنصل من المسؤولية فيقول كما يروي لنا القرآن الكريم:
{إني كفرت بما أشركتمون}.
إذن فأول جنود الشيطان هو الغرور، بأن يصوّر للإنسان أنه يستطيع أن يحقق بذاته ما يشاء ويجعله يعبد نفسه. أو يعبد عقله، أو يعبد الأسباب، أو يعتقد أنه أقدر من الله سبحانه وتعالى على التشريع، فيترك منهج الله وقوانينه ويشرّع نفسه مما يسمونه القوانين الوضعية الى آخر ما نراه.
ويجب أن نعلم أن الشيطان له جنود ماديون.. هم شياطين الانس والجن، وأولئك هم الذين اتبعوه واتخذوا منهجه.. يقاتلون من أجل الباطل.. ويحاربون الحق.. ويسخرون من المؤمنين، وهؤلاء يقول عنهم الله سبحانه وتعالى:
{ استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، أولئك حزب الشيطان، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون} المجادلة19.
حزب الشيطان هؤلاء.. يحاولون نشر الالحاد.. ويقاومون كل دعوة للحق.. ويقفون امام رسالات السماء.. يصدون عنها الناس.. وتصل المسألة الى حدّ القتال.. مصداقا لقوله تبارك وتعالى:
{الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفرا يقاتلون في سبيل الطاغوت} النساء 76.
يتبع......