الاثار الملموسه للاستغفار على حياة المؤمن

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين.

سنتحدث في هذا الباب عن الأثر الملموس لممارسة عبادة الاستغفار، والذي شكَّل الحديث عنه يوم جاءت رسالة الرحمة مناسبة استدعت استهزاء الناس بنبيِّنا الكريم الصابر محمد عليه الصلاة والسلام.
سنبدأ أيضا هذه المرة من قول الله تعالى في بداية سورة هود:
أعوذ بالله من الشيطان الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ{1} أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ{2} وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ{3} إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{4}

هنا نرى بوضوح أن الآيات تقول أن هذا القرآن قد أُحكمت آياته وفُصُِّلت لغاية ألاَّ نعبد إلاَّ الله وأن نستغفره ونتوب إليه، وتقول الآيات أن هذا سيترتب عليه أن الله سيمتعنا إن فعلنا ذلك إلى أجل مسمَّى وهو الحياة الدنيا وفي المقابل فإن عدم الاستجابة تعني أننا سنُعذَّب، وتذكِّرُنا الآيات بأننا إلى ربِّنا راجعون.
إذا نستنتج أن الاستغفار إنَّما هو أحد الأوامر التي يؤدي التزامنا بها إلى حصولنا على ثواب الله متاعا في هذه الحياة الدنيا، وهذا حجَّةٌ علينا أيضا أمام الله تعالى لأنه حسب الآيات التي ذكرناها فما علينا إلاَّ أن نلتزم بما أخبرنا الله تعالى به في هذه الآيات وننتظر أن نرى وعدَه الحق.
وربما سيدفع هذا الكلام الكثيرين للسخرية او للإعراض وهو تماما ما ذكره الله تعالى مباشرة بعد أن أبلغنا غاية الرسالة وجوهرها ونتيجة التزامنا بها حيث قال جلَّ وعلا:
أعوذ بالله من الشيطان الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{5}هود

تصوِّر الآيات كيف أن المشركين كانوا يتهرَّبون من رسالة القرآن الكريم التي كانت تبشِّرهم وتنذرهم ظنَّا منهم أنَّ تظاهرهم بعدم سماعها يُعفيهم من واجب الالتزام بها. وهذه أيضا مناسبة لننتبَّه إلى دقة وصف القرآن الكريم لسلوك هذا الإنسان في كل أحواله ما يدل على أنه كلام الحكيم الخبير.
ولكي نتبيَّن أن المقصود بالوعد الإلهيِّ هو الوعد الدنيويُّ نقرأ أيضا ما قاله النبيُّ هود عليه السلام لقومه، يقول القرآن الكريم:
أعوذ بالله من الشيطان الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ{52} قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ{53}هود

ننتقل الآن إلى أثر آخر من آثار الاستغفار وهو أنه سبب لدفع عذاب الدنيا عن البشر فالمستغفرون التائبون قد سرى عليهم قانون الله البيِّن في كتابه الحكيم بأنَّهم لن يُعذَّبوا في الدنيا وهذا ما نقرأ في سورة الأنفال:
أعوذ بالله من الشيطان الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ{31} وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{32} وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{33}الأنفال

طبعا القارئ للآية يفهم مباشرة أن وجود النبيِّ الكريم في القوم هو سببٌ لعدم وقوع العذاب عليهم ولكن ربَّما سيختلط الأمر في تفسير الجزء الثاني، فكيف يكون الحديث عن المكذِّبين لكتاب الله ثم يقال أن الله ما كان ليعذِّبهم وهم يستغفرون، في إشارة إلى أنهم يستغفرون؟
لقد اختلف التفسير بين قائل بأن المقصود : وما كان الله ليعذبهم وفيهم أناس يستغفرون وهو ما تؤيِّده بعضُ قصص العذاب في القرآن حيث أنَّ الله كان ينجِّي المؤمنين أولا ثم يأتي بالعذاب على الكافرين كما في قصة النبيِّ لوط عليه السلام. وهذا وإن كنا لا نراه احتمالا راجحا إلا أنه يؤدِّي غاية المعنى من حيث أن الاستغفار يرفع العذاب.
وبين قائل بأن المقصود: هو أنَّ الله يوضح سنة من سننه بمناسبة دعوة الكفار لله بأن يمطر عليهم حجارة من السماء، فأتى الجواب الإلهيُّ يقول: أن سنَّة الله في الأرض هي أنَّه لا يعذِّب الكفار والنبيُّ بينهم وأنه لا يعذِّبهم إذا كانوا يستغفرون الله، وهذا نراه راجحا ويؤدِّي أيضا نفس غاية المعنى السابق ويوصل إلينا رسالة مفادها:
الاستغفار وسيلة نتَّقي بها عذاب الله تعالى في حياتنا الدُّنيا.

إذا الاستغفار هو طريق واضح الملامح للحصول على متاع هذه الحياة الدنيا وإلى تجنب عذاباتها. ونحن في هذه المناسبة نكرر دعوتنا اليقينيَّة للناس فنقول:
من أراد أن ينكشف عنه عذاب يعيشه في الحياة الدنيا فليستغفر الله وليَتوُب إليه ونحن على يقين ـ من القرآن الكريم ـ بأنَّ الله سيكشف عنه العذاب بإذن الله، يقول القرآن الكريم:
أعوذ بالله من الشيطان الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ{96}الأعراف

والحمد لله ربِّ العالمين