الاستعداد لشهر رمضان

زائر

على قدر عظمة الأشياء تتأهب النفوس للاستعداد و التهيىء لاستقبالها و العيش في كنفها ، فإن كانت قليلة القيمة و الفائدة فالاستعداد لها يكون ضعيفا ، و إن كانت ذات قيمة عظمى و عواقب نافعة و مفيدة فالاستعداد يكون قويا، يعمل الإنسان بكل ما أوتي من قوة لاجتناب المآلات السيئة و في الوقت نفسه للإفادة من المآلات الإيجابية ، و هذا يدل على طبيعة الطاقة و الفعالية التي منحها الله سبحانه و تعالى لبني الإنسان سواء كان مسلما أو غير ذلك، حتى يكون أهلا لتحمل أمانة التكليف الثقيلة : " إنا عرضنا الأمانة على السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقنا منها و حملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا " ، فلما كانت الأمانة ثقيلة من جهة التكليف ، هيئ الله سبحانه للإنسان ما يقابلها من قدرة إرادية تمكن الإنسان من تحملها بما له من وسع لأنه لا تكليف بما لا يطاق لما يخاطب القرآن الكريم الفرد المسلم المؤمن ، فإنه يذكره بالمآلات و الجزاء الأخروي و الدنيوي ، ليبعث فيه حافزية العمل و الإحسان فيه ، و بمناسبة هذا الشهر الكريم شهر شعبان الذي يعقبه شهر رمضان الفضيل ، فشهر شعبان ما هو إلا " مدرسة استعدادية" للاستقبال شهر القرآن و الرحمة و الغفران و العتق من النار ، و من خلال القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته ، لما يتأمل المسلم في حال النبي صلى الله عليه و سلم و صحابته و سلف الأمة الصالح ، يندهش لعبادتهم و تبتلهم و مدى علاقتهم بالله سبحانه و تعالى ، بكاء و خوف و رجاء و حب و انقطاع عن ملذات الدنيا و شهواتها ، فهذا يجعل المرء يتساءل عن سر الحافز و الدافع الذي كان وراء هذا العمل الصالح و الطاقة التي يمتلكونها ، و كأنه يخيل له انهم ليسوا من جنسهم و الحقيقة ليس كذلك الغاية و الوجهة : رضى الله و الجنة .

في القرآن الكريم يتحدث الله سبحانه عن شهر رمضان انه شهر القرآن حيث قال : (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) البقرة185. فلعظمة هذا الشهر عند الله اختاره سبحانه ليكون زمن تنزيل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و لعظمة القرآن و جلاله اختار الله تعالى شهر رمضان ليكون شهر القرآن ، و بهذا لما يتذكر المسلم رمضان يتبادر إلى ذهنه القرآن ، فتتقاطر على قلبه كل معاني الهداية و الرحمة و الجمال و الجلال ، و يحمد الله على عظيم نعمته أنقذ البشرية جمعاء من الضلال و الحيرة و الضيق و العبودية ، فلما يعلم الإنسان هذا المعنى و يؤمن به إيمانا ينساب في وجدانه و يختلط بشفوف روحه ، يستعد لطرق باب الهداية و الرحمة و المغفرة في رمضان، زمن التجلي لمعاني الخالقية لله عز وجل ، لأنه خلق الإنسان بعد أن لم يكن مذكورا ولما أوجده لم يتركه هملا بل كلفه بمسؤولية الاستخلاف في الأرض ، فانزل عليه دليل الهداية و الرشاد بعد أن كان ضال فهدى . لما يعلم المرء المسلم أن ليلة القدر في رمضان خير من ألف شهر و تتنزل الملائكة و الروح فيها بإذن ربهم من كل سلام هي حتى مطلع الفجر ، حقيق به أن يهفو قلبه للاستعداد و المكابدة و المعاناة لشهود هذه الليلة الجليلة الرمضانية ، ولما يعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم :" (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين) متفق عليه ، يفر إلى رحمة الله و عفو ه الواسعة ، و ينظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان أجود الناس ، و أكثر الناس عبادة و إقبالا على الله سبحانه بالاعتكاف و الانقطاع عن ملذات الدنيا ، و يعتبر بأحوال الصالحين و المصلحين في رمضان ، و الناس من حوله .
فكل هذا يجعل المسلم يحدد غايته و وجهته ، و لا غاية للمسلم لما يتأمل في حال النبي صلى الله عليه وسلم و الصحابة و الصالحين ، سوى رضى الله و الجنة .

توطين التركيز على الغاية
من الأمور المهمة في التشريع الإسلامي إعطاء أهمية بالغة لموضوع النية ، و المحدثون اعتنوا بحديث "إنما الأعمال بالنية" أيما اعتناء فجعلوه من الأحاديث الأولى المقدمة لمصنفاتهم ، وأهل المقاصد بنوا نظريته في شق مقاصد المكلف على هذا الحديث ، بل استنبطوا منه قاعدة مقاصدية كلية و هي الأمور بمقاصدها ، و في العصر الحديث خبراء التخطيط يتكلمون عن الرؤية في البرامج الاستراتيجية للأفراد و المؤسسات ، و كل هذا لأجل أمر أساس و هو تحرير القصد و الوجهة ، أو بمعنى آخر توطين التركيز على الغاية المحددة دون ان تلامسها مشوشات تحول دون تحقق الغاية ، ولذلك هناك مقولة حكيمة تقول :" إذا أردت أن تغير العالم فغير تركيزك " أو بلغة شرعية "إذا أردت أن تغير العالم فغير نيتك " لما يغير المسلم تركيزك و يحرره و يجرده للغاية و يقوم بحشد كل الجهود الطاقات الروحية و العاطفية و الجسدية و الفكرية سيصل لما يصبوا إليه بتوفيق الله سبحانه .
و لهذا فمدرسة شعبان ورجب، هي مدرسة تمرن المسلم على تحديد الوجهة و تركيز الغاية المرادة ، حتى إذا جاء رمضان جنى ثمار ما قام به في شعبان و قبله ، ولا يمكن جمع التركيز أو النية إلا بالتأمل في ما سبق أن ذكرت ، من أن القرآن منقذ البشرية ولولا القرآن لعاشت البشرية الجحيم و العذاب و هذا الأمر العظيم كان في رمضان ، وأن من صام رمضان إيمانا و احتسابا غفر له ما تقد من ذنبه فيتخيل المسلم ما ذا لو غفرت و مسحت ذنوبه من صحيفته ، ويتخيل المرء يوم لقاء الله لما يسعد بصيامه و قراءة القرآن ، و يتخيل دخوله إلى الجنة من باب الريان العظيم ، و يتخيل عتقه من النار و دخوله الجنة ، و لهذا هناك من قال "التخيل أهم من المعرفة " ، لأن هناك الكثير من الناس عنده معلومات و معطيات لكن لا يستطيعون أن يبنوا بها مشاهد مرئية يتخيلونها ذهنيا و يتصورونها إيجابا في المستقبل ، و من هنا يتبين قيمة العمل الذي قام به السيد قطب في كتابه الرائع " مشاهد القيامة في القرآن" ، و هذا يدل على أن القرآن في بعض آياته يوظف المشاهد و الصور للتأثير في النسيج الوجداني للإنسان ليصنع له خيالا يوثق إلى الجنة و يخاف من النار ، فتكرار هذه المشاهد تركز النية و توطنها على الغايات و المقاصد المرجوة .

الاستعداد : عمل و نية
فشهري شعبان ورجب يحفزان المرء على تلاوة القرآن و الصيام و عمل الخير استعداد لرمضان ، و بالموازاة ينبغي على المرء أن يربط هذه الوسائل بالجزاء و الغايات المقاصد و المرجوة في الدنيا و الآخرة لموافقة مقاصد الحق سبحانه و تعالى ، فالاستعداد يكون عملا و نية ، وبلغة العصر برنامجا و رؤية .
منقـــــــــــــــول للفائدة

» دورة الاستعداد لرمضان للأخوات فقط
» فانوس رمضان كل عام وانتم بخير, أختر فانوسك اللهم بلغنا رمضان
» رمضان هذه السنه احلى رمضان في حياتي ان شاء الله..
» مشروع 100 يوم حتى رمضان
» رمضان غيرني